فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد قيل هي أول شجرة نبتت بعد الطوفان وتعمر كثيرًا، ففي التذكرة أنها تدوم ألف عام ولا تبعد صحته لكن علله بقوله: لتعلقها بالكوكب العالي وهو بعيد الصحة.
وفي تفسير الخازن قيل تبقى ثلاثة آلاف سنة وتخصيصها بالوصف بالخروج من الطور مع خروجها من سائر البقاع أيضًا وأكثر ما تكون في المواضع التي زاد عرضها عليها ميلها واشتد بردها وكانت جبلية ذا تربة بيضاء أو حمراء لتعظيمها أو لأنه المنشأ الأصلي لها، ولعل جعله للتعظيم أولى فيكون هذا مدحًا لها باعتبار مكانها.
وقوله تعالى: {سَيْنَاء تَنبُتُ بالدهن} مدحًا لها باعتبار ما هي عليه في نفسها، والباء للملابسة والمصاحبة مثلها في قولك: جاء بثياب السفر وهي متعلقة بمحذوف وقع حالا من ضمير الشجرة أي تنبت ملتبسة بالدهن وهو عصارة كل ما فيه دسم.
والمراد به هنا الزيت وملابستها به باعتبار ملابسة ثمرها فإنه الملابس له في الحقيقة.
وجوز أن تكون الباء متعلقة بالفعل معدية له كما في قولك: ذهبت بزيد كأنه قيل: تنبت الدهن بمعنى تتضمنه وتحصله.
ولا يخفى أن هذا وإن صح إلا أن إنبات الدهن غير معروف في الاستعمال.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وسلام، وسهل، ورويس، والجحدري {تُنبِتُ} بضم التاء المثناة من فوق وكسر الباء على أنه من باب الأفعال، وخرج ذلك على أنه من أنبت بمعنى نبت فالهمزة فيه ليست للتعدية وقد جاء كذلك في قول زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ** قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل

وأنكر ذلك الأصمعي وقال: إن الرواية في البيت نبت بدون همزة مع أنه يحتمل أن تكون همزة أنبت فيه إن كانت للتعدية بتقدير مفعول أي أنبت البقل ثمره أو ما يأكلون، ومنهم من خرج ما في الآية على ذلك وقال: التقدير تنبت زيتونها بالدهن، والجار والمجرور على هذا في موضع الحال من المفعول أو من الضمير المستتر في الفعل؛ وقيل: الباء زائدة كما في قوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة} [البقرة: 195] ونسبة الإنبات إلى الشجرة بل وإلى الدهن مجازية قال الخفاجي: ويحتمل تعدية أنبت بالباء لمفعول ثان.
وقرأ الحسن، والزهري، وابن هرمز {تُنبِتُ} بضم أوله وفتح ما قبل آخره مبنيًا للمفعول، والجار والمجرور في موضع الحال، وقرأ زر بن حبيش {تُنبِتُ} من الأفعال {الدهن} بالنصب وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب {بالدهان} جمع دهن كرماح جمع رمح، وما رووا من قراءة عبد الله تخرج الدهن وقراءة أبي تثمر بالدهن محمول على التفسير على ما في البحر لمخالفته سواد المصحف المجمع عليه ولأن الرواية الثابتة عنهما كقراءة الجمهور.
{بالدهن وَصِبْغٍ لّلاكِلِيِنَ} معطوف على الدهن، ومغايرته له التي يقتضيها العطف باعتبار المفهوم وإلا فذاتهما واحدة عند كثير من المفسرين وقد جاء كثيرًا تنزيل تغاير المفهومين منزلة تغاير الذاتين، ومنه قوله:
إلى الملك القرم وابن الهمام ** وليث الكتيبة في المزدحم

والمعنى تنبت بالشيء الجامع بين كونه دهن يدهن به ويسرح منه وكونه إدامًا يصبغ فيه الخبز أي يغمس للائتدام قال في المغرب يقال: صبغ الثوب بصبغ حسن وصباغ ومنه الصبغ والصباغ من الأدام لأن الخبز يغمس فيه ويلون به كالخل والزيت، وظاهر هذا اختصاصه بكل ادام مائع وبه صرح في المصباح.
وصرح بعضهم بأن إطلاق الصبغ على ذلك مجاز، ولعل في كلام المغرب نوع إشارة إليه.
وروي عن مقاتل أنه قال: الدهن الزيت والصبغ والزيتون وعلى هذا يكون العطف من عطف المتغايرين ذاتًا وهو الأكثر في العطف، ولابد أن يقال عليه إن الصبغ الادام مطلقًا وهو ما يؤكل تبعًا للخبز في الغالب مائعًا كان أم جامدًا والزيتون أكثر ما يأكله الفقراء في بلادنا تبعًا للخبز والأغنياء يأكلونه تبعًا لنحو الأرز وقلما يأكلونه تبعًا للخبز، وأنا مشغوف به مذ أنا يافع فكثيرًا ما آكله تبعًا واستقلالًا، وأما الزيت فلم أر في أهل بغداد من اصطبغ منه وشذ من أكل منهم طعامًا هو فيه وأكثرهم يعجب ممن يأكله ومنشأ ذلك قلة وجوده عندهم وعدم الفهم له فتعافه نفوسهم.
وقد كنت قديمًا تعافه نفسي وتدريجًا ألفته والحمد لله تعالى، فقد كان صلى الله عليه وسلم يأكله.
وصح أنه صلى الله عليه وسلم طبخ له لسان شاة بزيت فأكل منه، وأخرج أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه شفاء من سبعين داء منها الجذام» وأخرج الترمذي في الأطعمة عن عمر رضي الله تعالى عنه مرفوعًا «كلوا الزيت واذهبوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة» لكن قال بعضهم: هذا الأمر لمن قدر على استعماله ووافق مزاجه وهو كذلك فلا اعتراض على من لم يوافق مزاجه في عدم استعماله بل الظاهر حرمة استعماله عليه إن أضربه كما قالوا بحرمة استعمال الصفراوي للعسل ولا فرق في ذلك بين الأكل والادهان فإن الادهان به قد يضر كالأكل، قال ابن القيم: الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لأهلها وأما في البلاد الباردة فضار وكثرة دهن الرأس بالزيت فيها فيه خطر على البصر انتهى.
وقرأ عامر بن عبد الله {وصباغا} وهو بمعنى صبغ كما مرت إليه الإشارة ومنه دبغ ودباغ.
ونصبه بالعطف على موضع {تَنبُتُ بالدهن} وفي تفسير ابن عطية وقرأ عامر بن عبد قيس ومتاعًا للآكلين وهو محمول على التفسير.
{وَإِنَّ لَكُمْ في الأنعام لَعِبْرَةً} بيان للتعم الواصلة إليهم من جهة الحيوان إثر بيان النعم الفائضة من جهة الماء والنبات وقد بين أنها مع كونها في نفسها نعمة ينتفعون بها على وجوه شتى عبرة لابد من أن يعتبروا بها ويستدلوا بأحوالها على عظيم قدرة الله عز وجل وسابغ رحمته ويشكروه ولا يكفروه.
وخص هذا بالحيوان لما أن محل العبرة فيه أظهر.
وقوله تعالى: {نُّسْقِيكُمْ مّمَّا في بُطُونِهَا} تفصيل لما فيها من مواقع العبرة.
وما في بطونها عبارة إما عن الألبان فمن تبعيضية والمراد بالبطون الأجواف فإن اللبن في الضروع أو عن العلق الذي يتكون منه اللبن فمن ابتدائية والبطون على حقيقتها.
وأيًا ما كان فضمير {بُطُونِهَا} للانعام باعتبار نسبة ما للبعض إلى الكل لا للإناث منها على الاستخدام لأن عموم ما بعده يأباه، وقرئ بفتح النون وبالتاء أي تسقيكم الأنعام.
{وَلَكُمْ فيِهَا منافع كَثِيرَةٌ} غير ما ذكر من أصوافها وأشعارها وأوبارها {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} الظاهر أن الأكل على معناه الحقيقي ومن تبعيضية لأن من أجزاء الأنعام مالا يؤكل.
وتقديم المعمول للفاصلة أو للحصر الإضافي بالنسبة إلى الحمير ونحوها أو الحصر باعتبار ما في {تَأْكُلُونَ} من الدلالة على العادة المستمرة.
وكان هذا بيان لانتفاعهم بأعيانها وما قبله بيان لانتفاعهم بمرافقها وما يحصل منها.
ويجوز عندي ولم أر من صرح به أن يكون الأكل مجازًا أو كناية عن التعيش مطلقًا كما سمعت قبل أي ومنها ترزقون وتحصلون معايشكم.
{وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} في البر والبحر بأنفسكم وأثقالكم.
وضمير {عَلَيْهَا} للانعام باعتبار نسبة ما للبعض إلى الكل أيضًا.
ويجوز أن يكون لها باعتبار أن المراد بها الإبل على سبيل الاستخدام لأنها هي المحمول عليها عندهم والمناسبة للفلك فإنها سفائن البر قال ذو الرمة في صيدحه:
سفينة بر تحت خدي زمامها

وهذا مما لا بأس به.
وأما حمل الأنعام من أول الأمر على الابل فلا يناسب مقام الامتنان ولا سياق الكلام، وفي الجمع بينهما وبين الفلك في إيقاع الحمل عليها مبالغة في تحملها للحمل، قيل: وهذا هو الداعي إلى تأخير هذه المنفعة مع كونها من المنافع الحاصلة منها عن ذكر منفعة الأكل المتعلقة بعينها. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَشَجَرَةً} بالنصب عطف على جنات وقرئت مرفوعة على الابتداء. أي: ومما أنشئ لكم شجرة: {تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ} وهو جبل بفلسطين، أو بين مصر وأيلة بفتح الهمزة محل معروف يسمى اليوم العقبة وهو على مراحل من مصر. قاله الشهاب والشجرة: شجرة الزيتون، نسبت إلى الطور لأنه مبدؤها. أو لكثرتها فيه: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} أي: ملتبسة بالدهن المستصبح به: {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} أي: وبإدام يغمس فيه الخبز فالصبغ كالصباغ ما يصطبغ به من الإدام. ويختص بكل إدام مائع. يقال صبغ اللقمة: دهنها وغمسها وكل ما غمس فقد صبغ. كذا في المصباح و التاج.
{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً}.
أي: تعتبرون بحالها وتستدلون بها: {نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا} أي: من الألبان: {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ} أي: في ظهورها وأصوافها وشعورها ونتاجها: {وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} أي: بخلقه وتسخيره وإلهامه. فله الحمد.
قال الزمخشري: والقصد بالأنعام أي: الإبل، لأنها هي المحمول عليها في العادة. وقرنها بالفلك التي هي السفائن، لأنها سفائن البر.
قال ذو الرمة:
سفينةُ بَرٍّ تحت خَدِّي زِمَامُهَا

قال الشهاب: وجعلُ الإبل سفائن البر معروف مشهور. وهي استعارة لطيفة وقد تصرفوا فيها تصرفات بديعة. كقول بعض المتأخرين:
لِمَنْ شحرٌ أثقلَتْهَا ثمارُها ** سفائنُ بَرٍّ والسَّرَابُ بحارُها

اهـ.

.قال الشنقيطي:

{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)}.
قوله: وشجرة: معطوف على: جنات من عطف الخاص على العام. وقد قدمنا مسوغه مرارًا: أي فأنشأنا لكم به جنات، وأنشأنا لكم به شجرة تخرج من طور سيناء وهي شجرة الزيتون، كما أشار له تعالى بقوله: {يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35] الآية، والدهن الذي تنبت به: هو زيتها المذكور في قوله: {يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء} [النور: 35] ومع الاستضاءة منه، فهي صيغ للآكلين: أي إدام يأتدمون به، وقرأ هذا الحرف: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو: {سيناء} بكسر السين، وقرأ الباقون: {تنبت} بفتح التاء، وضم الباء مضارع: نبت الثلاثي، وعلى هذه القراءة، فلا إشكال في حرف الباء في قوله: {بالدهن} أي تنبت مصحوبة بالدهن الذي يستخرج من زيتونها، وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ففي الباء إشكال، وهو أن أنبت الرباعي يتعدى بنفسه، ولا يحتاج إلى الباء وقد قدمنا النكتة في الإتيان بمثل هذه الباء في القرآن، وأكثرنا من أمثلته في القرآن، وفي كلام العرب في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى: {وهزى إِلَيْكِ بِجِذْعِ النخلة} [مريم: 25] الآية، ولا يخفى أن أنبت الرباعي، على قراءة ابن كثير، وأبي عمرو هنا: لازمة لا متعدية المفعول، وأنبت تتعدى، وتلزم فمن تعديها قوله تعالى: {يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزرع والزيتون} [النحل: 11] الآية وقوله تعالى: {فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحصيد} [ق: 9] ومن لزومها قراءة ابن كثير، وأبي عمرو المذكورة، ونظيرها من كلام العرب قول زهير:
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم ** قطينًا بها حتى إذا أنبت البقل

فقوله: أنبت البقل لازم بمعنى: نبت، وهذا هو الصواب في قراءة: تنبت بضم التاء. خلافًا لمن قال: إنها مضارع أنبت المتعدي: وأن المفعول محذوف: أي تنبت زيتونها، وفيه الزيت.